فصل: ما نزل في قول ابن حريملة و وهب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 دعوى يهود قلة العذاب في الآخرة ، و رد الله عليهم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني مولى لزيد بن ثابت عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال ‏‏:‏‏ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، واليهود تقول ‏‏:‏‏ إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما يُعذب الله الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الآخرة ، وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب ‏‏.‏‏

فأنزل الله في ذلك من قولهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وقالو لن تمسنا النار الا أياما معدودة ‏‏.‏‏ قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون ‏‏.‏‏ بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ أي من عمل بمثل أعمالكم ، وكفر بمثل ما كفرتم به ، يحيط كفره بما له عند الله من حسنة ، ‏‏(‏‏ فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ‏‏)‏‏ أي خلد أبدا ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي من آمن بما كفرتم به ، وعمل بما تركتم من دينه ، فلهم الجنة خالدين فيها ، يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدا ، لا انقطاع له ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم قال الله عز وجل يؤنبهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ‏‏)‏‏ ، أي ميثاقكم ‏‏(‏‏ لا تعبدون إلا الله ، وبالوالدين إحسانا ، وذي القربى واليتامى والمساكين ، وقولوا للناس حسنا ، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون ‏‏)‏‏ ، أي تركتم ذلك كله ليس بالتنقص ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ تسفكون ‏‏:‏‏ تصبون ‏‏.‏‏ تقول العرب ‏‏:‏‏ سفك دمه ، أي صبه ؛ وسفك الزق ، أي هراقه ‏‏.‏‏ قال الشاعر ‏‏:‏‏

وكنا إذا ما الضيف حل بأرضنا * سفكنا دماء البُدْن في تربة الحالِ

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يعني ‏‏(‏‏ بالحال ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ الطين الذي يخالطه الرمل ، وهو الذي تقول له العرب ‏‏:‏‏ السهلة ‏‏.‏‏ وقد جاء في الحديث ‏‏:‏‏ أن جبريل لما قال فرعون ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ‏‏)‏‏ أخذ من حال البحر وحمأته ، فضرب به وجه فرعون ‏‏.‏‏ والحال ‏‏:‏‏ مثل الحمأة ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولا تخُرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏على أن هذا حق من ميثاقي عليكم ، ‏‏(‏‏ ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ، وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ، تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ‏‏)‏‏ ، أي أهل الشرك ، حتى يسفكوا دماءهم معهم ، ويخرجوهم من ديارهم معهم ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ وإن يأتوكم أسارى تفادوهم ‏‏)‏‏ وقد عرفتم أن ذلك عليكم في دينكم ‏‏(‏‏ وهو محرم عليكم ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ في كتابكم ‏‏(‏‏ إخراجهم ، أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ‏‏)‏‏ ، أي أتفادونهم مؤمنين بذلك ، وتخرجونهم كفارا بذلك ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ، ويوم القيامة يُردّون إلى أشد العذاب ، وما الله بغافل عما تعملون ‏‏.‏‏ أولئك الذين اشترَوُا الحياة الدنيا بالآخرة ، فلا يخفف عنهم العذاب ، ولا هم ينصرون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏فأنبهم الله عز وجل بذلك من فعلهم ، وقد حرّم عليهم في التوراة سفك دمائهم ، وافترض عليهم فيها فداء أسراهم ‏‏.‏‏

فكانوا فريقين ، منهم بنو قينقاع ولَفُّهم ، حلفاء الخزرج ؛ والنضير وقريظة ولَفُّهم ، حلفاء الأوس ‏‏.‏‏ فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب ، خرجت بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت النضير وقريظة مع الأوس يُظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه ، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم ، وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم ، والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان ‏‏:‏‏ لا يعرفون جنة ولا نارا ، ولا بعثا ولا قيامة ، ولا كتابا ، ولا حلالا ولا حراما ، فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أُساراهم تصديقا لما في التوراة ، وأخذ به بعضهم من بعض ، يفتدي بنو قينقاع من كان من أسراهم في أيدي الأوس ، وتفتدي النضير وقريظة ما في أيدي الخزرج منهم ‏‏.‏‏ ويُطِلُّون ما أصابوا من الدماء ، وقتلى من قُتلوا منهم فيما بينهم ، مظاهرة لأهل الشرك عليهم ‏‏.‏‏ يقول الله تعالى لهم حين أنَّبهم بذلك ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ‏‏)‏‏ ، أي تُفاديه بحكم التوراة وتقتله ، وفي حكم التوراة أن لا تفعل ، تقتله وتخرجه من داره وتظاهر عليه من يشرك بالله ، ويعبد الأوثان من دونه ، ابتغاء عرض الدنيا ‏‏.‏‏ ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج - فيما يلغني - نزلت هذه القصة ‏‏.‏‏

ثم قال تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل ، وآتينا عيسى بن مريم البينات ‏‏)‏‏ ، أي الآيات التي وضعت على يديه ، من إحياء الموتى ، وخلقه من الطين كهيئة الطير ، ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ، وإبراء الأسقام ، والخبر بكثير من الغيوب مما يدخرون في بيوتهم ، وما رد عليم من التوراة مع الإنجيل ، الذي أحدث الله إليه ‏‏.‏‏ ثم ذكر كفرهم بذلك كله ، فقال ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ، ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ‏‏)‏‏ ، ثم قال تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وقالوا قلوبنا غلف ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ في أكنة ‏‏.‏‏ يقول الله عز وجل ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون ‏‏.‏‏ ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه ، قال ‏‏:‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ فينا والله وفيهم نزلت هذه القصة ، كنا قد علوناهم ظهرا في الجاهلية ونحن أهل الشرك وهم أهل كتاب ، فكانوا يقولون لنا ‏‏:‏‏ إن نبيا يبعث الآن نتبعه قد أظل زمانه ، نقتلكم معه قتل عاد وإرم ‏‏.‏‏ فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم من قريش فاتبعناه كفروا به ‏‏.‏‏ يقول الله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ، فلعنة الله على الكافرين ‏‏.‏‏ بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن يُنَزِّل الله من فضله على من يشاء من عباده ‏‏)‏‏ ، أي أن جعله في غيرهم ‏‏(‏‏ فباءوا بغضب على غضب ، وللكافرين عذاب مهين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ فباءوا بغضب ‏‏:‏‏ أي اعترفوا به واحتملوه ‏‏.‏‏ قال أعشى بني قيس بن ثعلبة ‏‏:‏‏

أُصالحكم حتى تبوءوا بمثلها * كصرخة حُبْلى يسَّرتها قَبيلُها

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يسرتها ‏‏:‏‏ أجلستها للولادة ‏‏.‏‏ وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فالغضب على الغضب لغضبه عليهم فيما كانوا ضيَّعوا من التوراة ، وهي معهم ، وغضب بكفرهم بهذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي أحدث الله إليهم ‏‏.‏‏

ثم أنَّبهم برفع الطور عليهم ، واتخاذهم العجل إلها دون ربهم ؛ يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس ، فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ‏‏)‏‏ ، أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب عند الله ، فأبوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏ يقول الله جل ثناؤه لنبيه عليه الصلاة والسلام ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم ‏‏)‏‏ ، أي بعلمهم بما عندهم من العلم بك ، والكفر بذلك ؛ فيقال ‏‏:‏‏ لو تمنَّوه يوم قال ذلك لهم مابقي على وجه الأرض يهودي إلا مات ‏‏.‏‏ ثم ذكر رغبتهم في الحياة الدنيا وطول العمر ، فقال تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ‏‏)‏‏ اليهود ‏‏(‏‏ ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يُعَمَّرُ ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ‏‏)‏‏ ، أي ما هو بمنجيه من العذاب ، وذلك أن المشرك لا يرجو بعثا بعد الموت ، فهو يحب طول الحياة ، وأن اليهودي قد عرف ما له في الآخرة من الخزي بما ضيع مما عنده من العلم ‏‏.‏‏ ثم قال الله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ‏‏)‏‏ ‏‏.‏

 سؤال اليهود الرسول ، وإجابته لهم عليه الصلاة و السلام

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي حسين المكي ، عن شهر بن حوشب الأشعري ‏‏:‏‏ أن نفرا من أحبار يهود جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا ‏‏:‏‏ يا محمد ، أخبرنا عن أربع نسألك عنهن ، فإن فعلت ذلك اتبعناك وصدقناك ، وآمنا بك ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ عليكم بذلك عهدُ الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم بذلك لتصدقُنَّني ؛ قالوا ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ فاسئلوا عما بدا لكم ‏‏.‏‏

قالوا ‏‏:‏‏ فأخبرْنا كيف يشبه الولد أمه ، وإنما النطفة من الرجل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلمون أن نطفة الرجل بيضاء غليظة ، ونطفة المرأة صفراء رقيقة ، فأيَّتهما علت صاحبتها كان لها الشبه ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ اللهم نعم ‏‏.‏‏

قالوا ‏‏:‏‏ فأخبرنا كيف نومك ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلمون أن نوم الذي تزعمون أني لست به تنام عينه وقلبه يقظان ‏‏؟‏‏ فقالوا ‏‏:‏‏ اللهم نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ فكذلك نومي ، تنام عيني وقلبي يقظان ‏‏.‏‏

قالوا ‏‏:‏‏ فأخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلمون أنه كان أحب الطعام والشراب إليه ألبان الإبل ولحومها ، وأنه اشتكى شكوى ، فعافاه الله منها ، فحرم على نفسه أحب الطعام والشراب إليه شكرا لله ، فحرم على نفسه لحوم الإبل وألبانها ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ اللهم نعم ‏‏.‏‏

قالوا ‏‏:‏‏ فأخبرنا عن الروح ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلمونه جبريل ، وهو الذي يأتيني ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ اللهم نعم ، ولكنه يا محمد لنا عدو ، وهو ملك ، إنما يأتي بالشدة وبسفك الدماء ، ولولا ذلك لاتبعناك ؛ قال ‏‏:‏‏ فأنزل الله عز وجل فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ، بل أكثرهم لا يؤمنون ‏‏.‏‏ ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ‏‏.‏‏ واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ‏‏)‏‏ ، أي السحر ‏‏(‏‏ وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 اليهود ينكرون نبوة سليمان عليه السلام ، ورد الله عليهم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - لما ذكر سليمان بن داود في المرسلين ، قال بعض أحبارهم ‏‏:‏‏ ألا تعجبون من محمد ، يزعم أن سليمان بن داود كان نبيا ، والله ما كان إلا ساحرا ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ‏‏)‏‏ ، أي باتباعهم السحر وعملهم به ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ وما أُنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني بعض من لا أتهم عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه كان يقول ‏‏:‏‏ الذي حرم إسرائيل على نفسه زائدتا الكبد والكليتان والشحم ، إلا ما كان على الظهر ، فإن ذلك كان يُقرَّب للقربان ، فتأكله النار ‏‏.‏‏

 كتابه صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر ، فيما حدثني مولى لآل زيد بن ثابت ، عن عكرمة أو عن سعيد ابن جبير ، عن ابن عباس ‏‏:‏‏

بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صاحب موسى وأخيه ، والمصدق لما جاء به موسى ‏‏:‏‏ ألا إن الله قد قال لكم يا معشر أهل التوراة ، وإنكم لتجدون ذلك في كتابكم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، ذلك مثلهم في التوارة ، ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه ، يعجب الزُرَّاع ليغيظ بهم الكفار ، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

وإني أنشدكم بالله ، وأنشدكم بما أنزل عليكم ، وأنشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من أسباطكم المن والسلوى ، وأنشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاهم من فرعون وعمله ، إلا أخبرتموني ‏‏:‏‏ هل تجدون فيما أنزل الله عليكم أن تؤمنوا بمحمد ‏‏؟‏‏ فإن كنتم لا تجدون ذلك في كتابكم فلا كُرْه عليكم ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ قد تبين الرشد من الغي ‏‏)‏‏ فأدعوكم إلى الله وإلى نبيه ‏‏.‏‏

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ شطؤه ‏‏:‏‏ فراخه ؛ وواحدته ‏‏:‏‏ شطأة ‏‏.‏‏ تقول العرب ‏‏:‏‏ قد أشطأ الزرع ، إذا أخرج فراخه ‏‏.‏‏ وآزره ‏‏:‏‏ عاونه ، فصار الذي قبله مثل الأمهات ‏‏.‏‏ قال امرؤ القيس بن حجر الكندي ‏‏:‏‏

بمحنية قد آزر الضال نبتُها * مجرَّ جيوش غانمين وخُيَّبِ

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وقال حميد بن مالك الأرقط ، أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة ‏‏:‏‏

زرعا وقضبا مُؤْزَرَ النباتِ*‏

وهذا البيت في أرجوزة له ، وسوقه ‏‏(‏‏ غير مهموز ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ جمع ساق ، لساق الشجرة ‏‏.‏‏

ما نزل في أبي ياسر وأخيه

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان ممن نزل فيه القرآن ، بخاصة من الأحبار وكفار يهود ، الذي كانوا يسألونه ويتعنتونه ليلبسوا الحق بالباطل - فيما ذكر لي عن عبدالله بن عباس وجابر بن عبدالله بن رئاب - أن أبا ياسر بن أخطب مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يتلو فاتحة البقرة ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ‏‏)‏‏ ، فأتى أخاه حُيي بن أخطب في رجال من يهود ، فقال ‏‏:‏‏ تعلَّموا والله ، لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ الم ذلك الكتاب ‏‏)‏‏ ؛ فقالوا ‏‏:‏‏ أنت سمعته ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ نعم ، فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من يهود إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقالوا له ‏‏:‏‏ يا محمد ، ألم يذكر لنا أنك تتلو فيما أنزل إليك ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ الم ذلك الكتاب ‏‏)‏‏ ‏‏؟‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ بلى ؛ قالوا ‏‏:‏‏ أجاءك بها جبريل من عند الله ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ نعم ؛ قالوا ‏‏:‏‏ لقد بعث الله قبلك أنبياء ، ما نعلمه بين لنبي منهم مامدة ملكه ، وما أكل أمته غيرك ؛ فقال حيي بن أخطب ، وأقبل على من معه ، فقال لهم ‏‏:‏‏ الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فهذه إحدى وسبعون سنة ؛ أفتدخلون في دين إنما مدة ملكه وأكل أمته إحدى وسبعون سنة ‏‏؟‏‏

ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏‏:‏‏ يا محمد ، هل مع هذا غيره ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ ماذا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ المص ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذه والله أثقل وأطول ، الألف واحدة واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والصاد تسعون ، فهذه إحدى وستون ومئة سنة ، هل مع هذا يا محمد غيره ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ‏‏(‏‏الر) ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذه والله‏ أثقل وأطول ، الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والراء مئتان ، فهذه إحدى وثلاثون ومئتان ، هل مع هذا غيره يا محمد ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ‏‏(‏‏ المر ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذه والله أثقل وأطول ، الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والراء مئتان ، فهذه إحدى وسبعون ومئتا سنة ، ثم قال ‏‏:‏‏ لقد لُبِّس علينا أمرك يا محمد ، حتى ما ندري أقليلا أُعطيت أم كثيرا ‏‏؟‏‏ ثم قاموا عنه ؛ فقال أبو ياسر لأخيه حيي بن أخطب ولمن معه من الأحبار ‏‏:‏‏ ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد ، إحدى وسبعون ، وإحدى وستون ومئة ، وإحدى وثلاثون ومئتان ، وإحدى وسبعون ومئتان ، فذلك سبع مئة وأربع وثلاثون سنة ؛ فقالوا ‏‏:‏‏ لقد تشابه علينا أمره ‏‏.‏‏ فيزعمون أن هؤلاء الآيات نزلت فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ منه آيات محكمات هن أم الكتاب ، وأُخَر متشابهات ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد سمعت من لا أتهم من أهل العلم يذكر ‏‏:‏‏ أن هؤلاء الآيات إنما أُنزلن في أهل نجران ، حين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن عيسى بن مريم عليه السلام ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، أنه قد سمع ‏‏:‏‏ أن هؤلاء الآيات إنما أُنزلن في نفر من يهود ، ولم يفسر ذلك لي ‏‏.‏‏ فالله أعلم أي ذلك كان ‏‏.‏‏

 كفر اليهود بالإسلام وما نزل في ذلك

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان فيما بلغني عن عكرمة مولى ابن عباس ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ‏‏:‏‏ أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب كفروا به ، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه ‏‏.‏‏ فقال لهم معاذ بن جبل ، وبشر بن البراء بن معرور ، أخو بني سلمة ‏‏:‏‏ يا معشر يهود ، اتقوا الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك ، وتخبروننا أنه مبعوث ، وتصفونه لنا بصفته ؛ فقال سلام بن مشكم ، أحد بني النضير ‏‏:‏‏ ما جاءنا بشيء نعرفه ، وما هو بالذي كنا نذكره لكم ، فأنزل الله في ذلك من قولهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ، فلعنة الله على الكافرين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 ما نزل في نكران مالك بن الصيف العهد إليهم بالنبي

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال مالك بن الصيف ، - حين بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر لهم ما أخذ عليهم له من الميثاق ، وما عهد الله إليهم فيه - ‏‏:‏‏ والله ما عُهد إلينا في محمد عهد ، وما أُخذ له علينا من ميثاق ‏‏.‏‏ فأنزل الله فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ، بل أكثرهم لا يؤمنون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 ما نزل في قول أبي صلوبا ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ما جئتنا بشيء نعرفه ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

وقال أبو صَلُوبا الفطيوني لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ يا محمد ، ما جئتنا بشيء نعرفه ، وما أنزل الله عليك من آية فنتبعك لها ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 ما نزل في قول ابن حريملة و وهب

وقال رافع بن حريملة ، ووهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ يا محمد ، ائتنا بكتاب تُنَزِّله علينا من السماء نقرؤه ، وفجِّر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ، ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ سواء السبيل ‏‏:‏‏ وسط السبيل ‏‏.‏‏ قال حسان بن ثابت ‏‏:‏

يا ويح أنصار النبي ورهطه * بعد المغيَّب في سواء المُلْحدِ

وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى ‏‏.‏‏

ما نزل في صد حيي و أخيه الناس عن الإسلام

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان حيي بن أخطب وأخوه أبو ياسر بن أخطب ، من أشد يهود للعرب حسدا ، إذ خصهم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم ، وكانا جاهدين في رد الناس بما استطاعا ‏‏.‏‏

فأنزل الله تعالى فيهما ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ، فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ، إن الله على كل شيء قدير ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏